سد النهضة والحاجة إلي رؤية متكاملة ومواقف عملية
صفحة 1 من اصل 1
سد النهضة والحاجة إلي رؤية متكاملة ومواقف عملية
في الوقت الذي يتقدم فيه العمل في سد النهضة الإثيوبي, ما زال الموقف المصري منه لم يراوح مكانه, ويدور في مجمله حول تصريحات تحذر من الأخطار وتشرح التفاصيل, وأخري تشدد علي التعاون والتفاوض وتسعي إلي التهوين من الأزمة فتطلق التصريحات في انتظار الاجتماع القادم .
أو الحدث التالي, دون رؤية إستراتيجية واضحة وخطوات محددة باتجاه تحقيق هدف الدفاع عن المصالح والحقوق المصرية, مع الاعتراف بحق الآخرين في التنمية, بل مساعدتهم عليها, ما استطعنا لذلك سبيلا, في إطار توازن الحقوق والمصالح وعدم إلحاق الضرر.
إذن الموقف المصري إجمالا يدور في الداخل, دون أي أفق واضح للتأثير علي مسار الأزمة أو اتجاهاتها, بل يبدو أن الأمر يتفاقم بعد الاجتماع الأخير في الخرطوم في مطلع هذا الشهر, بالنظر إلي استمرارية المواقف الإثيوبية المخادعة التي تتسم بالازدواجية والفصام, حين تتحدث في الإعلام عن التعاون وعدم الإضرار, نجدها داخل القاعات تتشدد وتتعنت, بما يكرس سياسة التصرف المنفرد, وكسب الوقت وتحويل السد إلي أمر واقع.
ومن علامات تعقد الموقف التحول الكامل للموقف السوداني لمساندة إثيوبيا, رغم التحفظات العديدة, لعدد من كبار المتخصصين السودانيين علي السد بمواصفاته الحالية والآثار التي سوف تترتب عليه بالنسبة للسودان, الأمر الذي يؤشر إلي الطابع السياسي للموقف السوداني, بالنظر الي الدور الذي تلعبه إثيوبيا في تسوية العديد من الصراعات التي تهدد استمرارية وبقاء نظام الإنقاذ المأزوم. وفي الوقت نفسه ينبغي ملاحظة التقارير التي نشرت أخيرا عن قيام إسرائيل بالبدء في إنشاء منصات صاروخية حول موقع السد, وهي تقارير لم تتأكد بعد, ولكنها تستوجب الاهتمام والمتابعة الدقيقة.
هذه التطورات وغيرها تعني بشكل محدد أن هناك حاجة ملحة لإجراء تغير نوعي في طريقة الاقتراب والتعامل المصرية مع السد, وهناك أسئلة كثيرة تثار في هذا المجال, فلماذا لم تعلن مصر حتي الآن التفاصيل الكاملة لتقرير اللجنة الثلاثية حول السد, والذي يشير بوضوح إلي الأخطاء الكارثية والدراسات التي لا تصلح لقيام منشأة ضخمة بهذا الحجم, بما يعني استخفاف الجانب الإثيوبي وتهافته وعدم مصداقيته. لماذا لا تتحرك مصر بكل قوة لعرض قضيتها العادلة في المحيطين الإقليمي والدولي ولتوضيح زيف الصور التي تسعي إثيوبيا لترويجها بشكل خاطئ.
لقد ألحقت الطريقة التي تناول بها الرئيس المعزول محمد مرسي أزمة السد, سلبيات كثيرة بصورة مصر, وأعطت إثيوبيا الفرصة للمضي قدما في خططها, ولكن هذا أمر قد تم تجاوزه بثورة شعبية عارمة في30 يونيو, وعلينا أن نبني علي خطي هذه الثورة, وأن نضع أزمة سد النهضة في إطارها الصحيح, من حيث هي أزمة ذات أبعاد سياسية وإستراتيجية بالأساس, وبشكل يفوق كل الأبعاد التنموية الخاصة بتوليد الطاقة أو غيرها, وأن التغيرات الإستراتيجية التي سوف تنجم عن هذا السد تترافق مع تغيرات أخري تمس جوهر الترتيبات الإقليمية, ففي المنطقة حيث تتجه ليبيا إلي التقسيم, وبعد أن انقسم السودان إلي دولتين, يبدو أنه في طريقة إلي إعادة التقسيم أو التوجه نحو الصوملة. ولذا فإن مصر بحاجة إلي مراقبة كل هذه التغيرات عبر متابعة دقيقة, وتقييم الفرص والمخاطر, وبناء رؤية استرتيجية متكاملة للتعامل معها, لكيلا تفاجئ مصر بأنها أصبحت محاصرة ومحاط بها من كل جانب, وهي ما زالت منشغلة في جدالات داخلية لن تفيدها في مواجهة الأخطار المحدقة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى